Skip to content Skip to footer

الإيقونة الحمطوريَّة العجائبيَّة

إنَّها الإيقونة الأساسيَّةُ في الدير، فهي تمثِّلُ السيِّدةَ والدةَ الإلهِ العذراء. تحملﹸ على يدِها اليسرى ربَّنا يسوعَ المسيح المتجسِّدَ منها بحالﹴ غامضةِ الوصف، وباليَدِ اليمنى تُشيرُ إليه لتقدِّمَهُ إلينا على أنَّه السيِّدُ المبدعُ الذي تنازَﹶل ليُخلِّصنا. وهو يتجلبَبُ بثوبﹴ ترابيٍّ مُذهَّب، يشيرُ الى طبيعَتَيهِ الإلهيَّةِ والإنسانيَّةِ المتوهِّجةِ بهذا الإتِّحادِ المقدَّس.

تُشيرُ السيِّدةﹸ بيَدِها إليه لتقدِّمَه لنا إلهًا ومخلِّصًا. ترمقنا بناظرَيها، مُحدِّقة إلى أعماقنا لتُوقِظ فينا الإيمان. وبحنانِ وجهها البهيِّ المملوِءِ بالحيوَّيةِ، تستعطفُ السيِّدَ ليُخلِّصَنا. ببساطةِ نظرِتها وفقر ثيابها وبوفرةِ الحنانِ وكثرةِ الرأفةِ، ترشِدُنا وتجذُبنا إليه، فنجري في إثرهِ طائعينَ ما تقول، وتوحي بصمتٍ أشبهَ بالصلاةِ غير المنقطعة.

هذه الإيقونةﹸ أثرٌ من معالم الحياةِ الرهبانيَّة الحمطوريَّة السَّحيقةِ في التاريخ. بصمتِها تُعلِّمنا وتُخبرُنا عن جيلِ الآباِءِ الأوَّلين، كم كانتْ تضحياتُهم بالغةَ الأهميَّة في عينَي الرَّبِّ ، وكم كان عطاؤهم سخيًّا. فصناعتُها تُؤكِّدُ أنَّها من أجوَدِ التقنيات، والمواد المستعمَلة في التَّذهيب تتطلَّبُ إتقانًا ومهارةً لتبدو مرسومةً كأنَّ ما على صفيحةٍ ذهبيَّةٍ مصقولةٍ بإتقانٍ وعناية (من عمل ميخائيل بوليخرونيس). يميِّزُها تزيينٌ في الهالتَين حول رأسَي السيِّدة والسيِّد.

هذه الإيقونة تعود إلى القرن السابع عشر مع تجديد في القرن التاسع عشر، وقد تشبَّعَت من صلواتِ الآباِءِ الأبرار ومن تنهُّداتِ التَّائبينَ أمامَها ومن تعظيم الأتقياِءِ والزوَّار المؤمنين، الذين سكبوا نفوسَهم وأمانيهم أمامَها، فاستجابت لطلباتهم وأعطت ما يناسِبُ لخلاص كلِّ شاكٍ. فليسَ أحدٌ يسارعُ إليها ويمضي خازيًا، إلاَّ ويرجعُ مملوءًا بركاتٍ من نعمِها.

يخبرُنا الأقدمون أنَّها كثيرًا ما استجابت لضَراعةِ الكثيرينَ ممَّن قصدُوها طالبينَ أولادًا في زمنﹴ لم يكن للطبِّ دورٌ أو فاعليَّة. وشَفَتْ بوفرةٍ مَن كانوا مرضى، وأراحَت من حزنوا على ميتٍ أو شقوا بسبب غربةٍ، وحَمَتْ وفرةً من الأطفال من الموت، إذ أغدَقت بالحليب على أمَّهاتٍ لم يتوفَّر لأطفاِلهنَّ طعامٌ نافع. وكم أعانتْ مِن مُلتَجئٍ إلى حمايتِها، فبَاتَ نشاطه يعطي غلالاً مباركة وفيضًا لا ينضب.

وبعدَ أَن دُمِّرَ الديرُ وشرِّدَ الرهبان، فكلَّما حملوها ونقلوها إلى دير القدّيس جاورجيوس، كانتْ ترﹺجعُ دائمًا بطريقةٍ غير منظورةٍ لتُشيرَ على أنَّ نعمَتَها لا تُفارقُ الدير. حتَّى صلَّى الأبُ الرئيسُ إيروثيوس الكفوري، ضارعا إليها بابتهال، أن إبقَيْ معي في دير القدِّيس جاورجيوس وأعينيني لأنِّي غيرُ قادرﹴ على السَّكنِ في الدير المهدَّم لأخدِمَكِ كعبدٍ أمين. فبقيَت وحفِظَت الدير، وكان الزوَّارُ يشعرون بحضورها يهيمِنُ على جوِّ الدير، رغمَ عدم انضباطهم أحيانا.

ومن الملفِتِ أنَّ ما من أحدٍ غادَر البلاد، وهاجر قبلَ أن يلتَمِسَ بركتَها، وما مِن مغتَربٍ إلاَّ وعادَ يزورُها ويشكرُ نعَمَها ومعونتَها.

رمَّمَهَا ميخائيل بوليخرونيس من جزيرة كريت، بسبب تَقادُم الزمن عليها، سنة ١٨١٧ كما هو مُسجَّلﹲ عندَ حافَّتِها لتعودَ بأوفر جمال ووقار.

أعيدَت الإيقونة العجائبيَّة إلى ديرها سنة 2019، لتحضن زوَّارها وتبعث فيهم الرَّجاء وقوَّة الإيمان.

فارفعي يا والدة الإلهِ، عمَّن يسجدُون لإيقونتِكِ المقدَّسةِ ومن يبتهلون إليكِ مِن خلالها، كلَّ مرضﹴ وكلَّ تراخﹴ وكلَّ استهتارﹴ، وجُودي بعطفكِ بالخيراتِ السماوَّيةِ والأرضيَّة، واهدينا بإرشادِكِ وقيادِتكِ لنا إلى خير العملِ بالصالحات، حتَّى يتمجَّدَ اسمُ الربِّ فينا، غافرًا آثامَنَا ومُورثـنا الحياة الأبديَّة، آمين.

AR