Skip to content Skip to footer

جهادُ الرهبانِ القدماء

يذكرُ لنا الشيوخُ من أبناءِ المنطقةِ حولَنا، أن الرهبانَ استطاعوا زمنِ العثمانيينَ أن يفتَدوا الكثيرينَ ممَّنْ أسَرَهُمْ العثمانيون، بما جمعوا من مال. وكانوا يستقبلونَ المنكوبينَ الملتجئينَ إلى الديرِ فيعولونَهُم. وهكذا ظنَّ بعضُ الأشرارِ أنَّ الرهبانَ يملكونَ أموالاً وكنوزًا وافرة، فصارَ الديرُ عُرضةً للسطو، وتعرَّضَ الرهبانُ للضربِ والتعذيبِ والشتم.

وقد ذَكَرَ لنا المرحومُ جرجي رؤوف فرح أن أحدَ الإقطاعيين أَرْسَلَ (زِعْرانَهُ) ليضربوا الرئيسَ ويستدلّوا على نقودِ الدير. فلم يجدوا الرئيسَ في الدير، لكنَّهم أوسَعوا الرهبانَ الضعفاءَ المُسِنِّينَ ضربًا. إلاّ واحدًا، أسرعَ على بَسَاطتِهِ ليستضيفَهُم مقدِّمًا لهم إبريقَ ماءٍ فخَّاريّ، فشتموهُ وجرروه ليرمُوهُ عن الصخرِ إلى الوادي. وبعدَ أن رمَوه، سارعَ الرهبانُ ليحملوهُ إلى الديرِ معتقدينَ أنَّه مات. لكنَّهُم صادفوه ناهضًا، والإبريقُ في يدِهِ وجسمُهُ مُسْخَنٌ بالجراحِ خاصةً أنَّهُ عَلَقَ بشجيراتِ الصِبَّيْر. أخجلتْهُم محبَّتُهُ وتَسامحُهُ فهرَبوا مُدْبرين أمامَ وداعةِ الرهبانِ ومحبَّـتهم.

وتذكرُ مذكَّراتُ الديرِ أنَّ أحدَ الإكليريكيِّينَ المُتَشَوِّفينَ شكا الرهبانَ إلى مشايخِ آل العازار بتهمةِ سوءِ معاملتِهم له في الدير. فاستدعى المشايخُ الرئيسَ ليعاقبوه، فأجابَ رئيسُ الديرِ متأسِّفًا: “إنّنا قدَّمنا له ما نملِك”. فسأله الشيخ: “وماذا عندكم؟ أجاب: “بعضَ الماءِ المجموعِ من الصخور”.

هذا يوضحُ شدَّةَ معاناةِ الرهبانِ وثباتَهُمْ في صبرٍ وفقرٍ وتعفُّفٍ. ويوضحُ إهمالَ السلطةِ لهم وعبثَ المتنفِّذينَ المتسلِّطين.

عمل الرهبان القدماء

عَمِلَ الرهبان بنشاطٍ في الزراعة وتربية المواشي وفي النساخة وتصوير الإيقونات على الخشب والترتيل، وتعليم أهل الجوار والقاصدين. يعاونهم على ذلك بعض المعلّمين، أمثال الأستاذ ديمتري شحاده الدمشقيّ، الذي من حبِّهِ للدير أوقف نصفَ أملاكِه لديرِ حمَطوره، حيث عاش أواخر حياته وفيه مات ودُفن مع الرهبان، والنصف الثاني أوقفه لكنيسة المريميّة في دمشق.

اجتهدَ الرهبان في تحصين الدير وتجهيزه من أجل استقرارهم وخدمة القاصدين. وتشهد محفوظاتُ مطرانيَّة بيروت أن العمارَ كان الشغلَ الشاغلَ في الدير بعد نكبة 1860 فأعيدَ بناءُ المطبخ وبعضًا من قلايّات الرهبان.

AR