نبذة عن حياته
من مواليد نابيه في 12 نيسان 1937 من جذر كهنوتيّ عريق. توفّت والدته وهو بعد في الثانية عشر من عمره. عمل في الفلاحة والنجارة ودرس الموسيقى البيزنطيّة على يد متري المرّ بروتوبسالتي الكرسي الأنطاكي.
منذ حداثته اتَّسم بالجدِّيَّة في حياته وفي محبَّته لله، وقد اكتسب هذا الأمر من أبيه. انتقلت أمه باكراً، وكان يرافق أباه، الذي كان مرتِّلاً، في الخدمات والصَّلوات وهكذا وجدَ نفسه قريباً من الله.
أحب الحياة الرهبانية وذهب إلى دير رقاد والدة الإله بكفتين حيث مكث نحو شهرين أو ثلاثة. انتقل بعدها إلى دير البلمند ليتابع دروسه في مدرسة البلمند، فبذل كل جهده ليُنهي دروسه بتفوّق.
سافر إلى جزيرة باتمُس (Patmos) في بلاد اليونان حيث أنهى دروسه الثانوية سنة 1968. ثم درس اللاهوت في جامعة تسالونيكي حيث خَدَمَ شمّاسًا في كاتدرائية القديس ديمتريوس الشهيرة. اشتُهر بصوته الشجيّ، فكان المؤمنون يرتادون تلك الكنيسة خصّيصًا لسماعه يتلو الطلبات باليونانية والعربية. خلال تلك الفترة، تعرّف على الجبل المقدّس (جبل آثوس Athos) القريب من تسالونيكي، وعلى الرهبانية فيه، وعلى أبيه الروحيّ الشيخ باييسيوس (Paissios) (+12 تموز 1994).
عاد إلى لبنان، ورُسم كاهنًا في دير سيدة البلمند بوضع يد البطريرك الياس الرابع معوّض. اختار الاستقرار في دير مار جرجس في حمطور عام 1973 بعد أن كان خلا من الرهبان لفترة طويلة، فرمّم كنيسته وقلاّياته، وأعاد زرع أشجار الزيتون( إلى اليوم يعرف ب”كرم إسحق” وهو الأفضل في أرض الدير)، والكرمة في بساتينه القاحلة. شكّل الدير حينها مركز إشعاعٍ روحيّ جذبَ إلى نور الرب نفوسًا كثيرةً.
خلال حرب الكورة عام 1975، زُرعت المدافع في جوار الدير، وتحوّلت بساتينه إلى منطقة عسكريّة حتّمت على الأب فيلبّس الرحيل عن المكان، فسافر إلى تسالونيكي حيث أصبح أرشمندريتًا عام 1976، وخدم في كنيسة القديسة بربارة في المدينة، وكان مسؤولاً عن طلاب اللاهوت البلمنديين في تسالونيكي.
عام 1978، استقرّ في الجبل المقدّس (آثوس)، وهناك ترهّب واتخذ اسم شفيعه القديس إسحق السريانيّ. مكث سنةً في دير ستافرونيكيتا (Stavronikita)، ثم انتقل إلى قلاّيته الخاصّة، “قلاّية القيامة”، التي أعاد بناءها بيده في منطقة كَبْسالا (Kapsala) قرب عاصمة الجبل، كارييس (Karyes).
في مرحلةٍ أولى، عاش في قلاّية القيامة وحده أربع سنوات في تقشُّف شديد، وتعرّض إلى تجارب كثيرة حاولت إخراجه من قلاّيته. مرّةً، اشتدّت عليه الأفكار إلى حدّ أنه احتار في أمره، فوجد قبرًا قديمًا في تجواله في الحرش، فتوقّف أمامه وصلّى، وذكَر موته، وقال في نفسه: “هنا أموت”، وللحال اختفت الأفكار. بناءً على التقليد الرهبانيّ الآثوسيّ، القاضي بأن يحفر الراهب قبره بيده لكي لا يبارحه ذِكْرُ الموت ما دام حيًا، حفر الأب إسحق حفرةً بطول قامته في تراب الحديقة المجاورة لقلاّيته لتكون قبره. وكان كل يوم يبخّر القبر الذي ضمّ في النهاية رفاته بعد أن رقد بالرب مساء الخميس 16 تموز 1998.
أقام في جبل آثوس من سنة 1978 حتى 1998، وعُرف بشدّة نسكه وجهاده الروحيّ، فاشتُهر أبًا روحيًا في كل بلاد اليونان، وداعيةً إلى ممارسة سرّ الاعتراف، وكان حازمًا إزاء نفسه وإزاء أبنائه الروحيين. وكوْنَه الراهب الأنطاكيّ الوحيد في تلك الديار جعل منه “باب أنطاكيا”، فكان اللبنانيون والعرب يحجّون إلى قلايته من بطريركيات أنطاكيا وأورشليم والإسكندرية، وحتى من القارّة الجديدة. إلا أن هذا لم يمنعه من القيام بزيارات قصيرة إلى الأردن ومصر، فضلاً عن لبنان وسوريا.
في أوائل صيف 1998، ألمّت بالأب إسحق وعكة صحيّة قوية ألزمته ترك قلايته في جبل آثوس (التي قلّما غادرها) والذهاب إلى تسالونيكي للمعالجة في المستشفى. وإلا أنَّ ساعة الرحيل كانت قد اقتربت. هكذا في 16 عشر من شهر تموز ( غروب عيد القديسة الشهيدة مارينا) انطلق الشيخ إلى الأخدار السماويّة بعد جهاد مبارك ليلتحق بأبيه الشيخ القديس باييسيوس الآثوسيّ، مصلّيا على الدوام كما كان على الأرض من أجل الكنيسة وخاصة الأنطاكيّة التي بحسب تعبيره كان يبتهل من أجلها عند أقدام والدة الإله بلا انقطاع.
الشيخ اسحق هو ملهم النَّهضة الحديثة للرهبنة الأنطاكيَّة وقد ترك لنا آثارًا بالغة الأهمية من التراث الآبائي أهمها: ” نسكيَّات” للقديس اسحق السريانيّ، وسلّم السماء للقديس يوحنا السينائيّ، كيف نحيا مع الله، رسائل الشيخ المغبوط الذكر باييسيوس الآثوسي، كتاب المزامير عن السبعينيّة. بالإضافة إلى تسجيلات قليلة بصوته الشجيّ تبرز لنا رصانته وعمقه الداخليّ وتخشعه وصلاته في الترتيل.
شذرات من أقواله
على الراهب أن يبدأ بخطوات حسنة. وإلا إذا دخلت الأفكار الشرِّيرة في ذهنه فستحاربه حتى النهاية.
الراهب لا يحتاج إلى الصَّبر فحسب، بل إلى الصَّبر مع الانتباه.
الراهب كالطفل الصغير الذي كلما ضربته أمُّه تشبَّث بها رغم بكائه. وكلما ازدادت في توبيخه كلّما ارتبط بها. هكذا يجب أن يكون الراهب. أي ألا يبتعد عن رئيسه ولا يحرد إن وجَّه إليه توبيخًا أو قصاصًا.
إقرأ المزامير لأنَّ فيها الكثير من الفيتامينات الروحيَّة.
الكتاب المقدَّس الذي هو كلمة الله هو طعام روحيّ. علينا أن نقرأه وندنو منه باحترام وقبل قراءته فلنصلِّ ونرسم إشارة الصَّليب ونقبّل الكتاب ثمّ نبدأ بمطالعته.
فليكن عندنا صبر، وشجاعة، وهمَّة، وجرأة، وإيمان بعناية الله فنواجه التَّجارب.
من الضروريّ الذَّهاب إلى الكنيسة كلّ يوم أحد، وفي حال وجود مانعٍ مهمّ يلغي ذهابنا، فلنذهب عن طريق الصَّلاة والتأمّل الفكريّ وكأنَّنا هناك.
أن نرتاد الكنيسة موسميًّا هو أمر يختلف عن الحياة الروحيَّة، التي تتطلَّب جهادًا وشجاعة وبرنامجًا. لذا ضع في حياتك برنامجًا لأنَّنا من دون برنامج لا نثمر شيئًا.
الطاعة للأب الروحيّ هي نارٌ تحرق الشيطان.